قال سبحانه : بسم الله الرحمن الرحيم
{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ * {ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} (12، 14) سورة المؤمنون
إن خلق الإنسان إعجاز، إنك أيها الإنسان من أعجز آيات الله على ظهر هذه الأرض، فورب الكعبة نظرك فيك يكفيك على أن الخالق هو الله.... أنظر إلى رأسك ابتداء وسأرجع بعد ذلك إلى البداية، أنظر معى إلى رأسك، أنظر إلى العين، أنظر إلى الأنف، أنظر إلى الأذن، أنظر إلى الفم وتدبر. سترى فى كل عضو من هذه الأعضاء نوعاً من الماء سترى ماء فى العين إنها الدموع، وسترى ماء فى الأذن، وسترى ماء فى الفم، وسترى ماء فى الأنف، لكن أنظر وتدبر.
سترى ماء العين مالحا، وماء الأنف حامضا، وماء الأذن مرا، وماء الفم حلوا!! صنع من؟ خلق من؟ وأصل هذا الماء واحد، وهو رأس الإنسان، تدبر معى هذه المراحل العجيبة، فالرجل يجتمع بامرأته ليضع نطفته تلك النطفة التى تحتوى على ملايين الحيوانات المنوية، هذا المنى المهين خلقت منه {خُلِقَ مِن مَّاء دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} (6، 7) سورة الطارق.
هذا الماء المهين ملايين الحيوانات المنوية تتسابق كلها لتصل كل هذه الملايين إلى عروس واحد إنها البويضة التى تخرج من رحم المرأة مرة واحدة فى الشهر كأنها عروس فى ليلة زفافها.
نعم! تخرج البويضة عليها تاج مشع هذا ليس تعبيراً بلاغاً أدبياً من عندى إنما هو تعبير علمى تخرج البويضة وعليها تاج مشع لعلها بهذه الإشعاعات أن تلفت نظر حيوان منوى ليقترب منها، وتتسابق الملايين المملينة فى محاولات إلى هذه العروس، إلى هذه البويضة، لكن تموت كل هذه الملايين ولا يصل إلى هذه البويضة إلا حيوان منوى واحد، هذه المعلومة التى لم يصل إليها العلم الحديث إلا فى هذا العصر، أخبرنا عنها نبينا منذ مئات السنين فقال كما فى صحيح مسلم... تدبر ...:" ليس من كل الماء يكون الولد" (مش كل الحيوانات المنوية يكون منها الولد لا" "ليس من كل الماء- أى المنى- يكون الولد وإذا أراد الله خلق شئ لم يمنعه شئ". الحديث فى صحيح مسلم.([6]).
يصل هذا الحيوان إلأى البويضة فيلقحها، إذا ما اقترب الحيوان المنوى من البويضة تقوم البويضة بفرز سائل لزج من شأنه يمسك بالحيوان المنوى على جدراها، فإن التصق الحيوان المنوى بجدار البويضة أفرز هو الآخر سائلاً من شأنه أن يذيب هذا التاج المشع على رأس البويضة، فإن ذاب التاج اخترق الحيوان المنوى جدار البويضة، فإن دخل أحكمت البويضة على الحيوان المنوى الأبواب والنوافذ حتى لا يخرج، من الذى علم البويضة ذلك؟ ثم تتخلص البويضة فوراً من التاج المشع لماذا؟ حتى لا تلفت بهذا التاج المشع نظر حيوان منوى جديد لأنها لم تعد تسمح بذلك، فتتكون النطفة الأمشاج {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ } (2) سورة الإنسان.
النطفة الأمشاج: هى اجتماع الحيوان المنوى مع البويضة بعد التخصيب، وبعد أيام قليلة تتحول النطفة الأمشاج إلى انشطارات عديدة من الخلايا، الخلية تنشط إلى خليتين والخليتين إلى أربع وهكذا، حتى تتكون هذه النطفة الأمشاج فى صورة جديدة تشبه تماماً فعل التوت.
ولذلك يسمى العلماء النطفة فى هذه المرحلة بالتوتة- هذا اصطلاح علمى- هذه النطفة الأمشاج تنتقل بعد ذلك إلى مرحلة العلقة وسميت بالعلقة لتعلقها بجدار الرحم عند المرأة، فإن تعلقت بجدار الرحم يبدأ الرحم هو الآخر بفرش المكان بالوسائد والفرش من أوعية دموية حانية لهذا العلقة حتى لا تؤذى، وبعد أيام قليلة تتمايز العلقة إلى طبقتين: طبقة خارجية وإلى طبقة داخلية، الطبقة الخارجية وظيفتها فقط أن تمتص الغذاء من الدماء فى جدار الرحم، والطبقة الداخلية وظيفتها فقط تكوين الجنين، صنع من؟
ثم تنتقل العلقة بعد ذلك إلى مرحلة جديدة تسمى المضغة وسميت بالمضغة، لأن الجنين فى هذه المرحلة يشبه تماماً قطعة اللحم التى مضغتها أسنان إنسان ثم لفظت، إن نظرت إلى الجنين، سترى أن الجنين عبارة عن قطعة من اللحم عليها آثار المضغ، ثم تتحول بعد ذلك المضغة، تدبر معى إلأى عظام عظام من أين جاءت العظام؟ لقد كانت نقطة ماء فتحولت إلى علقة (ماشى جائز) ثم قطعة لحم (جائز) لكن تتحول إلى عظام، ... من أين جاء العظم عظام... وعظام عجيبة ليست قطعة عظم عادية، بل عظام للوجه وللذراع وللصدر وللساق وللقدم وللأصابع، هيكل عظمى متكامل عجيب.
ثم يكسو الله هذه العظام باللحم ثم تأتى مرحلة الخلق الآخر 14){ ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ } ( سورة المؤمنون. فيأمر الله عز وجل الملك فينفخ فيه الروح يقول المصطفى r والحديث فى الصحيحين:" لقد وكل الله بالرحم ملكا يقول الملك: أى ربى نطفة أى ربى علقة؟ أى ربى مضغة؟ أى ربى أذكر أم أنثى؟ أى ربى أشقى أم سعيد؟ أى ربى ما الرزق؟ أى ربى ما الأجل؟" ([7]) يقول المصطفى r : " فيكتب الملك وبقضى ربك ما شاء ثم ينفخ الله عز وجل فى هذا الجنين الروح".
الروح لا العظام جائز، لكن فجأة ينبض القلب وتتحرك الجوارح والأعضاء وتبدأ الأذن فى السمع، تسمع وتتحرك، حياة تدب، حياة جديدة فى داخل الرحم، الله أكبر ... من أين هذا الخلق؟ أين هذه الحياة؟.
وهنا وقف العالم الفرنسى الشهير الذى وقف يراقب مراحل نمو الجنين
فى رحم امرأة مراقبة دقيقة بدقيقة، وعندما نفخت الروح فى الجنين صرخ وقال: Here the God ( هنا الله ).
من أين جاءت هذه الحياة، تعطلت كل أسباب العلم، إنها عظمة الملك جل جلاله أيها المسلم ... نظرك فيك يكفيك على أن الخالق هو الله، على أن الذى يستحق بعد ذلك أن يعبد... هو الله وأن يوجد... هو الله وأن يمتثل أمره ... هو الله، وأن يجتنب نهيه هو الله، وأن يقف المسلم عند حدوده هو الله، هو الله جل وعلا.